تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تقديم

شكلت العديد من البلدان الإفريقية، في سنوات التسعينات، أطرا مؤسسية تسعى إلى إبعاد الانتخابات عن شبهة عدم الشرعية والضبابية التي خيمت على الانتخابات المنظمة بطريقة أحادية من طرف الأجهزة الإدارية للدولة. 
وفي هذا السياق أنشأت عدة بلدان لجانا وطنية مستقلة للانتخابات أو ذاتية الاستقلال حسب التسميات المختارة (CEI, CENI, CENA, …). ويعتبر إنشاء أجهزة تسيير الانتخابات هذه، ضمانة للإنصاف والشفافية خلال المسار الانتخابي.
وإذا كانت هذه الهياكل كثيرا ما تعتبر تجربتها مثيرة للنقاش، فإن هناك - بصفة عامة- تقبلا لهذه الأجهزة الوطنية لتسيير الانتخابات، لما تلعبه من دور مهم في الوقاية من الانتهاكات و تعزيز متزايد للمشاركة الشعبية، خاصة إذا ما نجحت في إضفاء المصداقية على المسار الانتخابي.
وقد شكل وجود اللجان قيمة مزدوجة حيث أنها تعد وسيلة لتشجيع المشاركة في الانتخابات وأداة شرعية لتنظيم المنافسات السياسية.
أضف إلى ذلك أن إدماج مؤسسة من هذا النوع في المسار الانتخابي في بلادنا يمكن من سيادة مناخ من الثقة المتبادلة بين مختلف الفاعلين في اللعبة السياسية الوطنية : الدولة، الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني بكافة مكوناته. ولا مندوحة من التذكير أن إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في بلادنا جاء في سياق سياسي وطني مختلف بشكل واضح.
ويمكن إجراء تحليل مقارن بين اللجان الوطنية المستقلة للانتخابات التي أنشئت منذ العام 2005 إلى يومنا هذا، للتعرف على الفروق بين اختصاصات اللجان الثلاث من الإشراف بالنسبة للأولى والثانية، إلى التنظيم بالنسبة للجنة الحالية، ودراسة هذه الأخيرة والتركيز عليها.
1.    اللجان الوطنية المستقلة للإشراف على الانتخابات
أسفر الأمر القانوني رقم 2005- 012 الصادر في 14 نوفمبر 2005 المعدل بالقانون رقم 2009-017 الصادر في 05 مارس 2009 عن إنشاء لجنتين وطنيتين مستقلتين للانتخابات مكلفتين بالمراقبة والإشراف على المسار الانتخابي، وقد ترك القانون المجال للإدارة بالنسبة للتنظيم المادي للانتخابات.
وتشكلت اللجنتان لكل منهما من 15 عضوا تم اختيارهم من ضمن « الشخصيات المستقلة الحاملة للجنسية الموريتانية والمشهود لها بالكفاءة والنزاهة الأخلاقية والصدق الفكري والحياد والاستقامة .
وبالنظر إلى هذه اللجان من زاوية تكوينها، فقد حظر فيها التمثيل المباشر للأحزاب السياسية، أما من ناحية فترة الانتداب، فإنها تشكلت لتغطية مسار انتخابي محدد من حيث الأجل، حيث انتهت فترة انتدابها وعادت أملاكها إلى الدولة بعد الانتخابات.
2.    اللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات
تناول القانون النظامي رقم 2012-027 الصادر في 12 إبريل 2012 إنشاء لجنة وطنية مستقلة للانتخابات تكون مكلفة بكامل المسار الانتخابي بداية من التسجيل على اللوائح الانتخابية وحتى إعلان النتائج المؤقتة وإحالتها إلى المجلس الدستوري لإعلانها النهائي فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والاستفتاء، و حتى إعلانها النهائي بالنسبة للانتخابات الأخرى.
وفي هذا الشأن،تتوفر اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات على كافة السلطات للتحقق ولضمان نزاهة التصويت.
وقد تشكلت اللجنة من سبعة أعضاء تم اختيارهم  بطريقة توافقية من ضمن الشخصيات التي تم إدراجها في إطار لائحة من 14 عضوا تم إعدادها بناء على مقترحات الأغلبية والمعارضة بواقع 7 أعضاء مقترحين من كل فريق سياسي، ويشهد للأعضاء بالكفاءة والاستقامة الأخلاقية، والنزاهة الفكرية والحياد والخبرة.وتسمى لجنة التسيير المشكلة من هؤلاء الأعضاء ب" لجنة الحكماء".
وبالنسبة للمدة، تمتاز اللجنة الحالية بأنها مؤسسة دائمة يتم تعيين أعضائها لفترة انتداب مدتها خمس سنوات غير قابلة للتجديد. ويتمتع أعضاؤها بالحصانة في ممارسة أو لدى ممارسة مهامهم، مما يعزز استقلالهم تجاه السلطات.